Thursday, February 21, 2013

الأزهر بين الدين و السياسة


أحمد مرسي

ينبغي على المؤسسة الإسلامية الأعلى مقاماً في مصر أن تحارب من أجل استقلاليتها، لكن عليها البقاء خارج السياسة.

ينبغي على المؤسسة الإسلامية الأعلى مقاماً في مصر أن تحارب من أجل استقلاليتها، لكن عليها البقاء خارج السياسة.
أحدثت الانتفاضة المصرية فراغاً سياسياً أدّى مؤخراً إلى أن يلعب الأزهر دوراً سياسياً ليس جزءاً من عقيدته الأساسية. وقد استمرّ في لعب هذا الدور، لاسيما بسبب الشعبية التي يتمتّع بها الأزهر ناهيك عن غياب الثقة بسياسات الرئيس محمد مرسي. على أن هذا لايمنح الأزهر مسوّغاً للتدخّل في السياسة وعقد الصفقات السياسية. ومع أن الإمام الأكبر أحمد الطيب قدّم، بالتعاون مع مجموعة كبيرة من السياسيين والمفكّرين المصريين، العديد من المبادرات لوضع حد للنزاع الأهلي في مصر، فإنه لم يتحقّق الكثير منها و أثرت على مصداقية المؤسسة عموماً. وقد كان الأزهر موضع ثناء للقائه مع مجموعات متنوّعة من المصريين والتشاور معهم - من قادة أقباط، وإسلاميين، وشخصيات معارضة، ونساء وشباب - وهو ما لم تنجح الحكومة في القيام به. بيد أن هذا المديح ينطوي على موافقة غير مبرّرة على تأدية الأزهر دور سياسي من الأجدى به تجنّبه. يجب ألا يُستخدَم الاحترام والشعبية اللذان تحظى بهما الأزهر ذريعةً للتدخّل في الشؤون السياسية.

عقب سقوط حسني مبارك، اتّخذت قيادة الأزهر خطوات للتحرّر من قبضة النظام وتحكُّمه بها لفترة طويلة. في حزيران/يونيو 2011، أصدر الإمام الأكبر - إلى جانب مجموعة من المفكّرين والسياسيين - ورقة من إحدى عشرة نقطة حول مستقبل مصر عُرِفَت بـ"وثيقة الأزهر". وحدّدت أولويات ما بعد الثورة: التركيز على الحرية والمساواة للجميع، ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح التعليم، والحد من البطالة، والالتزام بالمعاهدات الدولية. وضغطت الوثيقة أيضاً من أجل استقلال الأزهر عن سيطرة الدولة.

في كانون الثاني/يناير 2012، اصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعجالة قانون ينصّ على تغيير طريقة اختيار الإمام الأكبر للأزهر، فبات يُنتخَب من هيئة مؤلّفة من كبار علماء الأزهر بدلاً من أن يعيّنه رئيس الجمهورية. وبهذا أعيد اعتماد طريقة الاختيار القديمة التي كانت هذه المؤسسة الدينية تطبّقها قبل القرار الذي اتّخذه جمال عبد الناصر بتعيين الإمام الأكبر من قبل الرئيس. لكن القانون أثار جدلاً بسبب عدم تضمّنه بنوداً عملية وملموسة تمنح الأزهر استقلالية سياسية ومالية. وتجاوزت آلية إقراره الإشراف التشريعي، إذ تمّت قبل أيام من انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب المُنتخَب. وكان هناك أيضاً غياب كامل للشفافية بشأن الدوافع التي جعلت المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصدر المرسوم؛ ولانزال نجهل حتى الآن ما هي طبيعة الشروط والمعطيات التي أثيرت في المباحثات بين المجلس والإمام الأكبر توصّلاً إلى إقرار القانون المذكور.

على أي حال، فإن روح القانون الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلّحة حول الأزهر تجسّدت في الدستور المصري الذي أُقِرّ مؤخراً. فقد ورد في المادة الرابعة أن الأزهر هو "هيئة إسلامية مستقلة جامعة يختص دون غيره بالقيام على شؤونه كافة". كما تنص المادّة على أن "يؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية"، إلا أنها لاتذكر ما هي المؤسسات الحكومية التي يجدر بها التشاور مع الهيئة أو متى يجب القيام بذلك. وإذ تعي الدولة تماماً الدور المهم والنافذ للأزهر، فقد أحتفظت بحق توفير "الاعتمادات المالية الضرورية ليحقّق الأزهر أغراضه"، مما يُبقي الباب مفتوحاً أمام التأثير المستمر من النظام على الأزهر. وعلى غرار العديد من المواد الأخرى في الدستور، تُختتَم المادّة الرابعة بعبارة ملتبسة: "وكل ذلك على النحو الذي ينظّمه القانون"، بما يُتيح إعادة تحديد نص مبهم أصلاً وتقييده بموجب مراسيم تصدر لاحقاً عن الهيئة التشريعية.

الدور الاستشاري الذي يُحدّده الدستور الجديد للأزهر قد يجعله عرضة للتأثيرات من الدولة ومن مجموعة من التفسيرات الإسلامية للشريعة. بيد أن هذه التغييرات تبدو رمزية إزاء تنامي شعبية الدعاة السلفيين الذين قد يتسلّلون في نهاية المطاف إلى قيادة الأزهر ويغيروا من سياساته و ارائه المعتدلة التي عُرِف بها على مر العصور. وربما يقف هذا الأمر كأحد الأسباب التي دفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار قانون الأزهر الذي يهدف إلى "تمكين" الهيئة، لتشكّل توزاناً في مقابل صعود السلفيين.

بعيدا عن هذه التغييرات البنيوية والقانونية، يواجه الأزهر تحدّيات داخلية نتيجة التفسيرات والتأويلات المختلفة، وتدفق الفتاوى المتطرّفة الصادرة عن دعاة مستقلين غير مدرَّبين وكذلك عن أساتذة في هيئته التعليمية. فعلى سبيل المثال، أثارت الفتوى الصادرة أخيراً عن الأستاذ في جامعة الأزهر، محمود شعبان، إلى اغتيال قادة المعارضة في "جبهة الإنقاذ الوطني" لغطاً شديداً. ويحل شعبان ودعاة آخرون يومياً ضيوفاً على محطات فضائية ذات اتجّاهات سلفية مثل "الناس" و"الرحمة". ففي خضم الصراع الدائر حالياً في مصر، تشكل هذه التصريحات المثيرة للجدل ضربة قوية لقدرة الأزهر على تمثيل الرأي الإسلامي الوسطي، كما تثير علامات استفهام حول منهجيته التعليمية ومناهجه الدراسيه، وقدرته على الوقوف في وجه مثل هذه الآراء الغريبة والشاذّة التي تصدر عن هيئته التعليمية (ومن خارجها).

ما الذي يحمله المستقبل لمؤسسة الأزهر؟ مع أنه لايزال من المبكر تقييم تأثير التغييرات الأخيرة، فيمكننا افتراض بعض السيناريوهات. السيناريو الأول هو أن يُدير الأزهر بحذر وتروٍّ الوضع الجديد الذي بلغه في العامين الماضيين، أي شبه الاستقلالية المذكورة في الدستور. في هذه الحالة، يواصل الأزهر ممارسة "القوة الناعمة" التي تتمحور حول سلطة الإمام الأكبر وشخصه، وستستمر هذه الاستراتيجية على الأرجح ببقاء أحمد الطيب، البالغ من العمر 67 عاماً، في السلطة. بموجب الدستور الجديد، يستطيع الإمام الأكبر البقاء في السلطة حتى بلوغه الثمانين من العمر، ويملك حصانة تحول دون إمكانية إقالته من منصبه.

السيناريو الثاني هو استمرار النظام أو الإسلاميين، أو حتى الاثنين معاً، في استيعاب الأزهر تحت مظلّتهم. أدرك القادة المصريون المعاصرون القوة و الشرعية الكبيرة التي يكتسبوها إذا استمالوا الأزهر إلى جانبهم،  ومع أن الرئيس خسر "امتياز" تعيين الإمام الأكبر، لايزال يحتفظ مع الحكومة بالسيطرة على شؤون الأزهر المالية عن طريق وزارة الأوقاف. لكن، في الوقت نفسه، بإمكان العلماء المحافظين داخل الهيئة ممارسة تأثير كبير أيضاً على الطبيعة المعتدلة التي عُرِف بها الأزهر وقيادته تقليدياً. الأسبوع الماضي، انتخبت هيئة كبار العلماء المفتي الجديد شوقي إبراهيم عبد الكريم علام خلفاً لعلي جمعة المنتهي ولايته. وبحسب مصادر مختلفة، ليست لدى المفتي الجديد أي أيديولوجية سياسية أو انتماء سياسي واضح. وقبل الانتخاب، كانت هناك مخاوف من اختيار عبد الرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين الذي يُلقَّب "بمفتي" الجماعة. فاختياره كان ليشكّل خطوة أساسية نحو إحكام قبضة الإخوان على الأزهر، وهو ما تتخوّف منه قوى المعارضة والمسلمون الذين لاتعنيهم السياسة، فكلاهما لايريدان رؤية الإسلاميين يحتكرون الحكومة والأزهر.

السيناريو الثالث قد يكون الأصعب بالنسبة إلى الأزهر، ويتمثّل في خوض معركة لاستعادة الاستقلالية التي كان يتمتّع بها على المستويَين الإداري والمالي قبل عهد جمال عبد الناصر. الأمر الذي من شأنه أن يسمح للمؤسسة بالعودة إلى وظيفتها التعليمية الأساسية وعقيدتها الوسطية و التصدّي للتفسيرات المتطرّفة للدين الإسلامي. بيد أن الظروف الراهنة تحول دون تحقّيق ذلك. فيجب قطع شوط طويل لتغيير القوانين الحالية التي تعطّل استقلالية الأزهر، ولاسيما القانون 103 الصادر في العام 1961 الذي وضع الأزهر تحت سلطة وزارة الأوقاف، وما تلته من تشريعات تمنح الحكومة مزيداً من الإشراف عليه.

في ظل الأجواء السياسية الضبابية، حيث تعاني البلاد من ضعف نظام الحكم وترنح تحت وطأة الجدل و الخلاف حول مستقبل مصر، وجد الأزهر المجال متاحاً أمامه لاستخدام مصداقيته و احترامه في الشارع في لعب دور سياسي قد يكون مغرياً، إلا أنه يجب ألا يشكّل جزءاً من وظيفته الأساسية.

أحمد مرسي باحث مصري و طالب دكتوراه في كلية العلاقات الدولية في جامعة سانت أندروز، المملكة المتحدة.


* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنجليزية.

Al-Azhar on the Tightrope

By: Ahmed Morsy

Egypt’s most prestigious Islamic institution should fight for its autonomy—but stay out of politics.
The Egyptian uprising facilitated a political vacuum that has recently empowered al-Azhar to play a political role that is not part of its core foundational doctrine. It has persisted in this role mainly because of the institution’s popularity coupled with mistrust in President Mohamed Morsi. This does not, however, warrant al-Azhar interfering in politics and brokering political deals. And though the Grand Sheikh Ahmed Muhammad el-Tayeb, in cooperation with a wide range of Egyptian politicians and intellectuals, has presented several initiatives to end the civil strife in Egypt, little has been accomplished besides a collective diminishing of the institution’s credibility. Al-Azhar has received praise for convening and consulting with diverse groups of Egyptians—from Coptic leaders, Islamists, opposition figures, women, and youth—in ways that the government failed to do, but this praise effectively places an unwarranted approval on al-Azhar playing a political role it should avoid. The institution’s respect and popularity should not be a pretext to meddle in political matters. 
Following the fall of Hosni Mubarak, al-Azhar’s leadership took steps to break free from longtime regime manipulation. In June 2011, Grand Sheikh el-Tayeb—alongside a group of intellectuals and politicians—issued an eleven-point paper on Egypt’s future, dubbed the “al-Azhar Document.” This blueprint sketched out post-revolutionary priorities: emphasizing freedom and equality for all, fighting corruption and achieving social justice, reforming education, reducing unemployment, and abiding by international treaties. The document also pressed for the independence of al-Azhar from state control. 
In January 2012, the Supreme Council of the Armed Forces (SCAF) hastily issued a lawchanging the process by which al-Azhar’s grand sheikh is chosen—from a presidential appointment to an election by a council of senior al-Azhar scholars. This reinstated the old selection method that the religious institution had used prior to Gamal Abdel Nasser’s decision to make the post a presidential appointment. The law stirred up controversy, however, due to a lack of concrete articles to enforce political and financial independence for al-Azhar. Its approval process—days before the first meeting of the elected Parliament—effectively bypassed legislative oversight. There was also a total lack of transparency regarding the motivation that drove the SCAF to issue this decree; it remains unknown even now what terms and exchanges the SCAF had with the grand sheikh before the passage of this law.
In any case, the spirit of the SCAF-approved law on al-Azhar was enshrined in the recentlyapproved Egyptian constitution. In Article 4, al-Azhar is described as “an encompassing independent Islamic institution with exclusive autonomy over its own affairs.” The article stipulates that the senior scholars’ council is to be consulted on issues pertaining to the application of Islamic law (sharia), but the language does not indicate when or which branches of government must do such consult. Mindful of the institution’s important and powerful role, the State also reserves the right to provide “sufficient funds for al-Azhar to achieve its goals,”—leaving the door open for continued State influence and even coercion. As with several other articles in the constitution, Article 4 concludes ambiguously: “All of the above is subject to regulations of the law.” This provision allows an already vague text to be redefined and restricted by subsequent decrees from the legislature. 
Al-Azhar’s new constitutional consultative role might make it vulnerable to influences from both the state and a range of Islamist understandings of Sharia. However, these changes seem nominal in the face of rising popularity of Salafi preachers, who could eventually infiltrate al-Azhar’s leadership and overpower the institution’s typically moderate views.  This might explain why the SCAF issued the al-Azhar law to “empower” al-Azhar–as a counterweight to the rising Salafis.
Beyond these core structural and legal changes, al-Azhar faces internal challenges from shifting interpretations and an influx of extreme religious opinions (fatwas) presented by independent untrained preachers as well its own faculty. The latest fatwa from al-Azhar faculty member Mahmoud Shaban, for example, called for the assassination of National Salvation Front (NSF) opposition leaders. Shabaan and other preachers are daily guests of Salafi-oriented satellite channels like Al-Nas and Al-Rahma. At a time of national struggle, such controversial declarations constitute a serious blow to the organization’s ability to represent the middle ground of Islamic opinion, as well as call into question its educational methodology, curriculum, and its ability to stand against such bizarre and atypical opinions from its faculty (and beyond). 
What does the future hold for al-Azhar? Though it is too early to assess the impact of the most recent changes, some scenarios can be presumed. One path for al-Azhar is to carefully manage the new status it has attained over the past two years: one of quasi-independence cited in the constitution. The institution would then continue the “soft power” of personality politics centered on the authority of the grand sheikh—a strategy which will probably last as long as the 67 year-old Ahmed el-Tayeb remains in authority. Per the new constitution, the elected Grand Sheikh can remain in power until 80 years of age, and is immune from dismissal.
Another scenario is continued co-option of al-Azhar by the ruling regime or Islamists—or even both. Modern Egyptian leaders have typically understood the legitimacy to be had by pulling al-Azhar to their side. And although the president lost his “prerogative” of appointing the sheikh, he and the government maintain control over the institution’s finances by way of the Ministry of Religious Endowments. At the same time, however, conservative scholars from within can also exert significant influence on the traditionally moderate nature of the institution and its leadership. Last week, the Senior Scholars’ Council elected Egypt’s new grand mufti, Shawqi Ibrahim Abdel-Karim Allam, to succeed the outgoing Ali Gomaa. According to different sources the new grand mufti has no clear political ideology and affiliation. There had been concerns that the new mufti might have been Abdel Rahman El-Bar—a member of the Brotherhood’s Guidance Bureau and dubbed its own “mufti.”  If El-Bar had been chosen this would have been a significant step toward tightening the Brotherhood’s grip over al-Azhar—a prominent fear among opposition forces and politically apathetic Muslims alike, both of whom do not want to see the Islamists monopolize government and al-Azhar.  
The third scenario might be the most difficult for al-Azhar to maneuver, is to fight for more independence at the administrative and financial levels it enjoyed before Nasser. Such autonomy would allow the institution to return to its core educational functions and moderate doctrine to stand against extremist interpretations of Islam. Current circumstances, however, prevent this. There is a long way to go to change existing laws that cripple the institution’s independence (specifically Law 103 of 1961, which placed al-Azhar under the Ministry of Religious Endowments) and subsequent legislation that accords the government further oversight. 
The muddled political environment, fraught with weak governance and contentious debates about the future, has left a space for al-Azhar to use its credibility in a political role that, tempting as it may be, should not be part of its mandate.      
Ahmed Morsy is an Egyptian Researcher and Ph. D. candidate at the School of International Relations, University of St. Andrews. This piece was originally published at Carnegie's Sada Journal.