Monday, April 11, 2011

الجمعة و ما أدراك ما الجمعة



الهدف من هذه الخاطرة ليس بأي شكل من الأشكال للحكم على أي شخص أو أي فعل. و لكنها محاولة للتساؤل و إلقاء الضوء على بعض الممارسات التي ترتكب و تغلف بإسم الدين و بالأخص من خلال خطبة الجمعة. أنا على يقين أن هناك اخرين سبقوني في التعليق عليها و هم أفضل و أكثر مني علما و معرفة و لكن ما سأحاول سرده هو بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات إلى جانب تجربة شخصية من الجمعة الماضية. و من المؤكد أنها حدثت من قبل مع كثيرين غيري ليست في المساجد فقط و لكن في بعض الكنائس أيضا.  

            إن يوم الجمعة لهو أحد الأيام التي ينتظرها الكثير منا، إن لم نكن جميعا، بصبر و شغف. ينتظره الموظفون و الطلبة و اخرون ليستمتعوا بعدة ساعات نوم إضافية - بما أنه يوم أجازة رسمية للدولة- عوضا عن الإستيقاظ المبكر طوال أيام الأسبوع. يمثل هذا اليوم فرصة للكثيريين للقاء الأحبة و الأهل و الأصدقاء. ينتظر و يستغل اخرون ليلة الجمعة (مساء الخميس) لمآرب اخرى مثل السهر و المرح و الإحتفال بنهاية الأسبوع بحلوه و مره. و مؤخرا، منذ 28 يناير 2011، أصبح هذا اليوم مرتبط بالتظاهرات و يطلق على كل منها اسم خاص مثل: الغضب – الرحيل – التطهير ... إلخ.
و بالرغم مما تمثله أيام الجمع لكل منا، فإنه أحد الأيام التي تحمل قدسية خاصة للمسلمين (كأيام السبت لليهود و الأحد للمسيحيين) و فيه تقام شعائر صلاة الجمعة (الظهر). هذه الصلاة الجماعية التي تتكون من خطبة يعقبها ركعتان و تأخذ محل صلاة الظهر لهذا اليوم. هذه الصلاة التي ذكرها الله في القرآن و خصها بسورة كاملة مثلما خص صلاتي الفجر و العصر أيضا و هو ما يدل على أهميتها. وللعلم فهناك الكثير من المسلمين الذين لا يصلون طوال الأسبوع و مع ذلك يحرصون على الذهاب إلى المساجد يوم الجمعة للمشاركة في الصلاة.

            لقد دأبت على الذهاب إلى صلاة الجمعة منذ الصغر و كنت أشعر بالسعادة لمجرد أن أبي يصطحبني في يده للمسجد. و لكن في الأعوام الأخيرة أصبحت أشعر بثقل شديد تجاه التوجه للمسجد لصلاة الجمعة، و لا أظن هذا نابع من وسوسة الشيطان و العياذ بالله، و لكن يمكن أن نقول أنه في معظم الأحيان اعتبره إحساس نابع من فكره عدم الإستفادة من الخطبة. و قبل أن يهاجمني أحد على كلامي يجب أن نسأل أنفسنا ماذا حدث لصلاة الجمعة، لخطبة الجمعة، بل سأتسائل حتى عن صوت المؤذن (المنادي للصلاة) و نشاذه و نحن بلاد تتباهى بأصوات فنانيها العظام! هل كل من لبس جلباب و عمامة أو قفطان و أطلق اللحية أصبح شيخا أو إماما أو عالما بأمور الدين؟ أين ذهب دور الأزهر و العلماء المستنيرين؟ كيف قبلوا بالوصول إلى هذا التردي و التعصب في الخطاب الديني و استغلال المساجد لطرح و ترويج أفكار جماعات و مؤسسات بعينها! كيف قبلوا بالخضوع و الإرتماء في أحضان السلطة الحاكمة و تناسيهم بعقاب الله للمفسدين في الأرض. كيف وصل البعض منا إلى فكره تأليه الرسول الكريم - و هو من هذا براء – و الخلط بين النبي محمد رسول الله و خاتم أنبيائه و محمد الإنسان الذي يصيب و يخطئ و يستشير زوجاته و أهله و أصحابه في العديد من الأمور الحياتية. فإذا كان لا يخطئ فلماذا يعاتبه الله في الحادثة الشهيرة المذكورة في القرآن عندما عبس (امتعض و اكفهر وجهه) في وجه الرجل الأعمى الذي اتاه سائلا!

            أثناء صلاة الجمعة 8 أبريل، تحول خطيب المسجد من الحديث عن الأمور الدينية إلى الحديث في السياسة و أهمية توافق الدين مع السياسة و أنه لا انفصام بينهما. و جدتني أعلق بصوت سمعه من حولي "أنا جاي أسمع خطبة جمعة مش خطبة سياسية"، و نظرا لأن المصلين غير معتادين على تعليق أحد على الخطبة فقد رمقني من حولي بنظرات استغراب و تساؤل. و استمر الخطيب في الحديث عن السياسة و الإقتصاد كأحد المنظرين، فهو يطالب بوجوب تطبيق النظام الإسلامي في كل أمور الحياة من سياسة و إقتصاد و نظام إجتماعي و قضائي. و وصل به الأمر إلى إعلانه أن العلماء و السياسيين و الإقتصاديين الغربيين اجتمعوا في لندن في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة و أعلنوا أن كل النظم التي ابتدعها البشر من شيوعية و اشتراكية و حتى الرأسمالية قد سقطت و فشلت و يجب أن يتعلموا من النظام الإقتصادي الإسلامي (لا أحد يعلم صحة هذه الحادثة أو إذا كانت الرأسمالية قد انتهت فعلا و احنا نايميين)!!! و للأسف لم يحاول مرة واحدة أن يشرح أي من المصطلحات المذكورة (بما انه أصبح سياسي و اقتصادي)، حتى مصطلح الإقتصاد الإسلامي الذي لا يعلم أحد ما هيته. و كأن على الحضور جميعا أن يوافق بدون إبداء الرأي أو التساؤل. فهو من يمسك الميكروفون و من يملك السلطة داخل المسجد. تحول بعد ذلك إلى الحديث عن الثورة المضادة مصورا إياها أنها منظمة من فلول الحزب الوطني و أمن الدولة و لكن ضد "الإسلاميين" و تشويه صورتهم و محاولة تصنيفهم سلفيين و إخوان. فطبقا له "مافيش حاجه اسمها سلفيين و إخوان، كلنا مسلمين" "يعني السلف دول ميين؟ دول مجموعة آثرت أن تعود إلى الكتاب و السنة و تطبقهم. و هوا حد يكره أو يرفض كلام الله و رسوله..." -  طبعا هذا الكلام أعقبه ذكر الشريعة و ما تحمله من عدالة للجميع – مسلمين و غير مسلمين. و هو شئ جميل أن يساوي النظام ما بين الجميع و لكن يبقى التساؤل هو لماذا يقوم إذن الخطيب بالدعاء على الكفرة و اليهود و النصارة!!! أليس من الأولى أن ندعو لهم بالرحمة و المغفرة كما يحث الإسلام و شريعته.

إن الدين الإسلامي برئ من كل من استخدموه في غير محله، سواء كان لتكفير جماعات أو ارهاب افراد أو حتى لتحقيق مآرب سياسية بالوصول إلى السلطة أو اقتصادية بالتربح من الدين. إن الدين لله و الوطن للجميع و لو أراد الله لجعل الناس خلقا واحدا لا اختلاف بينهم و لكن في الإختلاف حكمه تجبرنا على التفكر و التدبر مستخدمين الألباب و هي العقول. أنا لا أدعو إلى التوقف عن صلاة الجمعة أو الذهاب إلى المساجد و التقرب إلى الله، فسأظل أذهب و أحاول أن أبحث عن مسجد به خطيب يثير عقلي و يمدني بالمعلومات و الروحانيات المفقودة. و لكنني ادعو نفسي و الاخرين إلى استخدام عقولنا التي وهبها الله لنا لنفكر و نتدبر الكون و العالم من حولنا حتى نصل إلى ما فيه الخير و الصالح لوطننا. و علينا أن نتذكر جميعا – مسلمين و مسيحيين- أن العمل عبادة و الدين المعاملة.  و في النهاية أعتذر لطول الخاطرة و أرحب بأي تعليقات.